سورة الواقعة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


ثم يقال لهم: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} اليومَ {لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} وجاء في التفسير: أن الزقوم شجرة في أسفل جهنم إذا طُرِحَ الكافرُ جهنم لا يصل إليها إلا بعد أربعين خريفاً.
{فَمَالئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} شرابٌ لا تهنأون به {فَشَارِبوُنَ شُرْبَ الْهِيمِ}: وهي الإبل العِطاش. ويقال: الهيم أي الرَّمْلُ ينضب فيه كلٌّ ما يُصَبُّ عليه.
{هَذا نُزُولُهمْ يَوْمَ الدِّينِ}: يوم القيامة.


قوله جلّ ذكره: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ}.
نحن خلقناكم: يا أهلَ مكة- فهلاَّ آمَنْتُم لتتخلصوا؟ توبَّخون وتُعَاتَبون.. واليومَ تَعْتَذِرون! ولكن لا ينفعكم ذلك ولا يُسْمَعُ منكم شيء.
وإن أشدّ العقوبات عليهم يومئذٍ أنهم لا يتفرَّغون من آلامِ نفوسِهم وأوجاعِ أعضائهم إلى التَحسُّر على ما فاتهم في حقِّ الله.
ويقال: أشدُّ البلاء- اليوم- على قلوب هذه الطائفة خوفُهم من أَنْ يَشْغَلَهم- غداً- بمقاساة آلامهم عن التحسُّر على ما تكدَّرَ عليهم من المشارب في هذا الطريق. وهذه محنة لا شيءَ أعظمُ على الأصحاب منها. وإنَّ أصحابَ القلوب- اليوم- يبتهلون إليه ويقولون: إنْ حَرَمْتَنا مشاهدَ الأُنْس فلا تَشْغَلْنا بلذَّاتٍ تشغلنا عن التحسُّر على ما فاتنا، ولا بآلامٍ تشغلنا عن التأسُّف على ما عَدِمْنا منك.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ءَأَنتُمْ تَخْلَقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}.
يقال: مَنىَ الرجلُ وأَمْنَى. والمعنى: هل إذا باشَرْتُم وأنزلتم وانعقد الولد.... أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون؟ والخَلْقُ هاهنا: التصوير؛ أي: أأنتم تجمعون صُوَرَ المولود وتُرَكِّبون أعضاءَه.... أم نحن؟
وهم كانوا يُقِرُّون بالنشأة الأولى فاحتجَّ بهذا على جواز النشأة الأخرى عند البعث الذي كانوا ينكرونه. وهذه الآية أصلٌ في إثبات الصانع؛ فإن أصلَ خِلْقَةِ الإنسان من قطرتين: قطرة من صُلْبِ الأب وهو المني وقطرة من تربية الأم، وتجتمع القطرتان في الرَّحِم فيصير الولد. وينقسم الماءان المختلطان إلى هذه الأجزاء التي هي أجزاء الإنسان من العَظْم والعَصَبِ والعرِقِ والجِلْدِ والشَّعْر ثم يركبها على هذه الصور في الأعضاء الظاهرة وفي الأجزاء الباطنة حيث يُشَكَّلُ كل عضوٍ بشكلٍ خاص، والعِظام بكيفية خاصة إلى غير ذلك.
وليس يخلو: إِمَّا أَنْ يكونَ الأبوَان يصنعانه- وذلك التقديرُ محالٌ لتقاصر عِلْمِها وقُدْرتهما عن ذلك وتمَنِّيهما الولَدَ ثم لا يكون، وكراهتهما الولدَ ثم يكون!
والنُّطفة أو القَطْرةُ مُحَالٌ تقديرُ فِعْلها في نَفْسِها على هذه الصورة لكونها من الأموات بَعْدُ، ولا عِلْمَ لها ولا قدرة.
أو مِنْ غيرِ صانعٍ , وبالضرورة يُعْلَمُ أنه لا يجوز.
فلم يَبْقَ إِلاَّ أن الصانعَ القديمَ المَلِكَ العليمَ هو الخالق.


قوله جلّ ذكره: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحُنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمُ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لاَ تَعْمَلُونَ}.
يكون الموتُ في الوقت الذي يريده؛ منكم مَنْ يموت طفلاً ومنكم من يموت شابَّاً، ومنكم من يموت كهلاً، وبِعللٍ مختلفة وبأسبابٍ متفاوتةٍ وفي أوقاتٍ مختلفة.
{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} في تقديرنا فيفوتنا شيءٌ ولَسْنا بعاجزين عن أن نَخْلُقِ أمثالَكم، ولا بعاجزين عن تبديلَ صُوَركم التي تعلمون؛ إِن أردنا مَسْخَكُم وتبديلَ صُوَركم فلا يمنعنا عن ذلك أحدٌ.
ويقال: وننشئكم فيما لا تعلمون من حكم السعادة والشقاوة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النًَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ}.
أي: أنتم أقررتم بالنشأة الأولى.. فهلاَّ تذكرَّون لتعلموا جَوَازَ الإعادة؛ إذ هي في معناها.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
أي: إذا ألقيتم الحَبَّ في الأرض.. أأنتم تُنْبِتُونه أم نحن المُنبِتون؟ وكذلك وُجوهُ الحكمةِ في إنبات الزَّرْع، وأنقسام الحَبَّةِ الواحدةِ على الشجرة النابتةِِ منها في قِشْرِها ولحائها وجِذْعِها وأغصاناها وأوراقها وثمارها- كل هذا: {لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}.
لو نشاء لجعناه حطاماً يابساً بعد خُضْرَته، فصِرْهُم تتعجبون وتندمون على تعبكم فيه، وإنفاقكم عليه، ثم تقولون: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}.
أي: لَمُلْزَمون غرامةَ ما أنفقنا في الزَّرع، وقد صار ذلك غُرْماُ علينا- فالمغرم مَنْ ذَهَبَ إنفاقُه بغير عِوَضٍ.
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} بل نحن محرومون بعد أن ضاع مِنَّا الرزق.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ}.
أأنتم أنزلتموه من السحاب.... أم نحن نُنْزِلُهُ متى نساء أَنَّى نشاء كما نشاء على من نشاء وعلى ما نشاء؟ ونحن الذين نجعله مختلفاً في الوقت وفي المقدار وفي الكيفية، في القِلَّة وفي الكثرة.
ولو نشاء لجعناه ملحاً.. أفلا تشكرون عظيمَ نعمةِ اللَّهِ- سبحانه- عليكم في تمكينكم من الانتفاع بهذه الأشياء التي خَلَقها لكم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6